لم يكن معنى المتحف يتعدى حدود المكان الممل والمخزن الكبير لعدد من الأشياء القديمة وذكريات التاريخ وبقايا الماضي المادية بموجوداته المبعثرة داخل صناديق زجاجية شفافة أو على جدرانه وفراغاته المتعددة يملأ جنباته السكون والهدوء وأغلب زواره ومرتاديه هم من كبار السن يرون في محتوياته غبار السنين وصور الماضي ويقضون بين جنباته لحظات مع التاريخ ومع الذكريات. ولكن مع تطور الفكر المعماري لمعظم المنشآت العمرانية خلال السنوات الماضية شهد مفهوم المتاحف على مستوى العالم أجمع تطوراً كبيراً في مجال أهدافه وتصميمه المعماري نتيجة تشعب دور المتحف كخدمة اجتماعية وتعدد الخدمات التي يقدمها للمجتمع فإلى جانب دوره الكبير في مجال اعداد البحوث والدراسات في شتى المجالات العلمية والنظرية فهو يعدّ مصدراً مهماً ومرجعاً موثقاً يمكن الاعتماد عليه في مجال التعليم والدراسة والأبحاث التخصصية الأخرى.
والمتحف هدف سياحي مرغوب لكل سائح يريد الاطلاع على تاريخ البلاد وإنجازاتها الماضية فيمكنه التعرف على أحوال الماضي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويرى من خلال معروضاته خطوات تطوره ومراحل نموه حيث يشكل المتحف مركزاً أساسياً للاهتمامات والنشاطات الجماعية.
وتصميم المتحف في وقتنا الحاضر يحتاج إلى جهود وأفكار جهات متعددة حيث يتضافر آراء خبراء التعليم والثقافة والمتاحف والمعماريين كل في مجال تخصصه لكي تحقق تلك الجهود متحفاً يتوفر فيه عرض أكثر تشجيعاً للزوار ليس فقط للمشاهدة والتحرك بين محتوياته ومعروضاته بل إنه بالإمكان لمس تلك المحتويات والإصغاء إليها وذلك هو المفهوم الجديد والمتطور والمطلوب للمتاحف وخصوصاً متاحف الأطفال التي انتشرت مؤخراً في البلدان المتقدمة وأصبحت مصدراً متميزاً لمعلومات الطفل وتوسيع أفقه المعلوماتي وإدراكه للخلفيات التاريخية والاجتماعية للأشياء التي يعيشها الآن في مجتمعه ويتعامل معها في حياته اليومية الحاضرة.
ومدينة الرياض التي يسكنها قرابة أربعة ملايين ونصف المليون نسمة معظمهم في سن الطفولة والشباب تحتاج إلى متحف متخصص للأطفال والشباب يهدف في المقام الأول إلى تعريفهم بماضي أمتهم التاريخي والاجتماعي والتعرف على مراحل تطور حياة المجتمع لربط الجيل المعاصر بجذوره التاريخية وتربية الإحساس لديه بالأصالة والانتماء. فأطفالنا وشبابنا اليوم يواجهون تيارات مختلفة المصادر والأفكار مغرية وجذابة في معظم الأحيان تسعى بكل قوة ووسيلة للإطاحة بهم وجعلهم عناصر سلبية في مجتمعنا، إذا فلابد من تنمية وسائل مضادة لتلك التيارات وأحدها رفع مستوى الوعي الثقافي والفكري لتلك الشريحة من المجتمع وإيجاد الأدوات اللازمة لذلك حيث تعد المتاحف احدى الأدوات الثقافية والفكرية التي تحقق هذا الهدف.
نحن بحاجة الى أن يعرف أبناؤنا أن ما نعيشه الآن من تطور ورقي لم يتحقق بضغطة زر بل ان وراء ذلك جهد معنوي ومادي قدمته الأجيال الماضية وأفنوا زهرة حياتهم لأجل أن ننعم نحن بحياة أفضل وأيسر وأجمل لذا علينا تقدير ذلك الجهد بالمحافظة على منجزاته ومقدراته وتطويرها للأفضل لنرد الدين بحياة أفضل للأجيال القادمة. نحن بحاجة الى متحف ينقل هذا المفهوم ويبلّغ هذه الرسالة الى جيل الأطفال والشباب ويخاطبهم بمستواهم العقلي والفكري لا أن يكون متحفا كلاسيكيا جامدا. المطلوب أن يخرج الطفل أو الشاب من هذا المتحف وهو أكثر ارتباطاً بهذا البلد وأكثر إحساساً بانتمائه إليه وأكثر تقديراً واحتراماً لما قدمه آباؤه وأجداده من جهد وتضحيات لهذا البلد لكي ينعم هو وجيله بحياة رغيدة وسعيدة، أتمنى أن يخرج ذلك الشاب أو ذاك الطفل وهو يحس بأن عليه دينا يجب الوفاء به وواجبا يلزم القيام به.
وفي اعتقادي أن إيجاد متحف متخصص للأطفال لابد أن يراعى في تصميمه بعض المعايير والأهداف والأسس التالية:
- أن تعتمد فكرة المتحف على خلق حالة من التفاعل بين الطفل أو الشاب وبين عناصر البيئة البشرية والنباتية والحيوانية والطبيعية المحلية كبداية لرحلة استكشافية يسعى فيها بنفسه إلى التعرف على هذه العناصر واكتشاف خصائصها ومميزاتها وجوانب الإبداع فيها وعلاقتها بمسيرة إنسان هذا البلد ومسيرته مع الطبيعة والبيئة المحيطة به.
- أن يتركز محتوى المتحف على عرض للحقب الزمنية التي مرت بها بلادنا بحيث يعرض الجوانب الاجتماعية والحياتية للمجتمع لكي يتعرف الطفل أو الشاب على حياة الإنسان السعودي الأول وأسلوب حياته بدءا من شكل ملابسه ووسائل معيشته والأدوات التي استخدمها واعتمد عليها في حياته في مجال الزراعة والصناعة والبناء وكيف واجه بتلك الأفكار بنجاح عوامل الطبيعة والأجواء المناخية لهذه المنطقة إضافة إلى قلة موارده المالية والاقتصادية وافتقار البلد إلى الموارد الطبيعية التي تنعش اقتصاده وتحرك عجلة الحياة فيه.
- الحرمان الشريفان مصدر فخرنا واعتزازنا فلقد شرّفنا الله بوجودهما على أرضنا وحلت البركة على بلادنا وأنعم الله علينا بنعمتي توحيد بلادنا تحت اسم واحد وعلم واحد ثم نعمة تفجر النفط عصب الحياة الحاضرة من أعماق أرضنا فعم الأمن والرخاء بلادنا من خلال هذا المنطلق لابد من صياغة عرض متحفي يحكي هذا المفهوم ويبرزه ويقربه من أفكار الأطفال والشباب.
- توحيد بلادنا بعد أن كانت شتاتا حدث غير مسيرة شعب وبلاد وتاريخ، لابد من ابرازه للأجيال الناشئة بمراحله المختلفة وبالصورة التي تليق فوجود قصر المصمك التاريخي بمدينة الرياض كشاهد وحيد على هذا الحدث الهام لا يكفي فهو يفتقد أسلوب العرض ونوعية المعروضات وعلاقتها بالمصمك كمبنى كما أن عدم وجود فرش أو محتويات في معظم فراغاته جعل زيارته مملة وغير معبرة للهدف الذي فتح من أجله للجمهور فهو يحتاج إلى إعادة النظر فيه جذرياً كما أن متحف مركز الملك عبدالعزيز التاريخي بما فيه من محتويات قيمة وأسلوب عرض بديع إلا إنه عام لجميع فئات المجتمع وليس متخصصا للأطفال.
- النفط ثروة أنعم الله بها على بلادنا واستخراج النفط وصناعته أهم دعائم اقتصاد الوطن ومنه تنبثق صناعات ومنتجات كثيرة، إن قصة اكتشاف النفط وما واجهه الأولون من صعوبات ومعوقات وكيفية تغير المجتمع إلى مجتمع مدني متحضر نتيجة تدفق هذه الثروة تحتاج الى عرض مميز للأجيال بين مراحل ومظاهر وانعكاسات هذا الحدث على مجتمعنا.
- تزخر بلادنا بالعديد من الحرف والصناعات التقليدية اليدوية حيث كانت فيما مضى تمثل الدخل الأساس لمعظم الأسر بعضها اندثر وتلاشى والبعض الآخر ينتظر حيث ساعد المهرجان الوطني للتراث والثقافة في إبراز تلك الحرف والصناعات التقليدية اليدوية لكن محدودية فترة المهرجان تحول دون تعريفها من قبل شريحة كبيرة من المجتمع هذه الحرف والصناعات تحتاج إلى ابراز في المتحف إما بشكل حي أو بالاستعاضة بتقنية حركة الدمى آلياً للتعبير عنها وتمثيلها.
- الفنون والألعاب الشعبية تعبير أساسي لثقافة الشعوب وبلادنا مليئة بتلك الموروثات الشعبية باختلاف أنواعها ولكل منطقة فن خاص بها يعبر عنه برقصات وأنغام مميزة وتعتبر الفنون الألعاب الشعبية ومستلزماتها من ملابس وأدوات أحد أركان الأساسية لتعريف الأجيال بتلك الفنون والألعاب.
نشر هذا المقال في جريدة الرياض السعودية
كتب التصميم المعماري والرسومات التنفيذية وتاريخ العمارة والاسس التصميمة وكذلك كتب الانشاءات والتصميم الانشائي والاكواد والمنشآت الخرسانية والمعدنية
الاسس والمعايير التصميمية لمتاحف الاطفال
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق